حكاية شاعر النيل.. حافظ إبراهيم ولد على سفينة في ديروط بأسيوط
على مدار التاريخ، أنجبت محافظة أسيوط شخصيات تركت أثرا في جميع المجالات، ومن هذه الشخصيات محمد حافظ إبراهيم والذي لقب بشاعر النيل، حيث ولد على سفينة كانت راسية بضفاف نهر النيل بمركز ديروط عام 1872 م، وكان أول ما ترى عيناه نهر النيل، ولهذا لقب بشاعر النيل.
كانت سفينة ملك محمود سليمان باشا قدمها أحد المهندسين المشرفين على قناطر ديروط لـ إبراهيم أفندي، والد الشاعر محمد حافظ إبراهيم، ليسكن بها لقاء توفير المياه لإرواء أرضه الواسعة، وفي يوم 4 فبراير 1872 م كانت أول صرخات مولوده شاعر النيل على ظهر السفينة.
وخلال عمره لم يذق شاعر النيل الراحة، حيث توفي والده إبراهيم أفندي وتركه طفلا صغيرا يتيما وحاربه الزمن، ولم يتحمله خاله وشعر بأنه عبء عليه فرحل عن خاله وترك له رسالة مكتوبا فيها "ثقلت عليك مؤونتي .. إني أراها واهية، فافرح فإني ذاهب .. متوجه في داهية"، ووظف ضابطا بالجيش وسافر إلى السودان فقاسى هناك الكثير من التعب والإرهاق، فبدأ يستصرخ من يعرفهم من الكبراء في رسائل شعرية ونثرية طالبا منهم أن يخلصوه من هذه الحياة البغيضة، ولكن لسوء حظه وجهت إليه تهمة أحيل على أثرها إلى الاستيداع فغادر السودان إلى مصر ثم أحيل للمعاش.
لم يكن معاش محمد حافظ إبراهيم كافيا لمعيشته، فأخذ يطرق الأبواب باحثا عن عمل مناسب، ولكنه لم يوفق وتعرف على أحمد شوقي شاعر السرايا، والذي قدمه إلى جريدة "الأهرام" ليتولى عملا بها ولكن لم يحظ بما كان يريد.
وكانت أشعاره ثائرة بسبب ما عانى منه طول حياته ولقب بشاعر الثورة رغم وفاته قبلها بـ20 عاما، وعلى الرغم من أن والدته كانت تركية إلا أنه كان من صميم البيئة المصرية، حيث عاش الحياة القاسية التي عاشها الشعب المصري تحت الاحتلال وارتبط بالإمام محمد عبده والزعيم سعد زغلول وعبر عن القضايا السياسية كلما أمكنه التعبير.
وكان لحافظ إبراهيم طريقته الخاصة، حيث إنه لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه استعاض عن ذلك بجزالة الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة، بالإضافة إلى أن الجميع اتفقوا على أنه كان أحسن خلق الله إنشادًا للشعر.
وعندما أقيم حفل تنصيب أحمد شوقي أمير الشعراء العرب عام 1927 في دار الأوبرا الخديوية، أنشد حافظ قصيدته وقال: "أمير القوافي قد أتيت مبايعا وهذه وفود الشرق قد بابعت معي، وقام أحمد شوقي من كرسيه وقبل حافظ في خده".
وأيضًا القصيدة التي أنشدها ونظمها في الذكرى السنوية لرحيل مصطفى كامل التي خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحى الذي قام به حافظ للتأثير في بعض الأبيات، ومما يبرهن ذلك المقال الذي نشرته إحدى الصحف والذي تناول بكامله فن إنشاد الشعر عند حافظ.