دنيا الوطن - روزين أبو طيون
ما إن تدخلين إلى حمام الشفاء حتى تعودين
بالزمن إلى أكثر من 800 عام، رحلةٌ بنكهةِ
بلادِ الشام، الماضي الجميلِ والبسيط، والجو
الهادئ، ترين المكان يَعُجُ بأحاديث النساء
اللواتي اجتمعن من مختلف المدن
الفلسطينية، تارةً يُغنُون ويرقصون، وتارةً
أخرى يدقون الطبل، فيذكرك ذلك بمشهد من
مُسلسل باب الحارة، فتندمجين معهن دون
أن تشعرِي بذلك؛ فتبدئين بالتصفيق والغناء، مرحباً بك أنت الآن في أحد أقدم حمامات فلسطين.
يعد حمام الشفاء التُركيّ الواقع بين أزقة
نابلس القديمة، من الحمامات التركية، حيث
يصل عمره إلى أكثر من 800 عام، وهو واحد
من أصل 38 حماماً في أنحاء فلسطين، هذا
الحمام كان ملكاً لعائلة طوقان، وقد قام
بترميمه وإعادة تأهيله السيد يوسف الجابي.
الحقبة التاريخية لحمام الشفاء
يقول يوسف الجابي صاحب حمام الشفاء:
"يعود تاريخ إنشاء حمام الشفاء التُركيّ إلى
عام 1225 ميلادي في العهد التركيّ، كان
الناس يأتون إلى حمام الشفاء بشكلٍ يوميّ،
خصوصاً لأن البيوت القديمة لم يكن فيها
متسع لبناء حمام واسع، ولكن بعد عام 1967
تم إغلاق معظم الحمامات لعدة أسباب، منها
ظهور التدفئة المركزية، والحمام الشمسيّ،
ومن هنا بدأ الناس يستغنون شيئاً فشيئاً عن
الحمامات، مما أدى لإغلاق بعضها، فمنها ما
أصبح مخزناً، والجزء الآخر قد أصبح مصانع
ومناجر، ومنها ما تم هدمه".
يكمل الجابي: "قد عملت على إعادة ترميم
حمام الشفاء التركيّ سنة 1991 وكان ذلك
على نفقتي الخاصة، إيماناً مني بأهمية إعادة
إحياء كل ما هو تُراثيّ وقديم، حتى عاد
الناس لتقبله من جديد، والتعرف على فوائده
الصحية"، مضيفاً: "بعد ذلك تضرر الحمام عدة
مرات بسبب الزلازل، والعمليات حيث كانت
آخر عملية سنة 2002، عندما قام طيران
الاحتلال بقصف البلدة القديمة وتضرر الحمام
كثيراً، وهذه كانت المرة الثانية التي أعيد
فيها ترميمه".
كلية ثالثة للجسم
لحمام الشفاء التركيّ فوائد لا حصر لها، فلو
عرفها كلٌ منا لبقي مواظباً على الذهاب إليه.
وعن هذا يقول يوسف الجابي: "التعرق هو
بمثابة كلية ثالثة للجسم، لأنه يخرج معه
أملاح وجراثيم والماء الزائد للجسم؛ ليبدأ
الجسم بالتنفس أكثر فأكثر، والحمام يقوم
على زيادة إخراج العرق، وذلك من خلال
التعرض للبخار والهواء الساخن، بالإضافة
لتغيير الجلد الميت".
ويكمل: "أيضاً هناك فوائد أخرى منها تنشيط
الدورة الدموية، وعلاج الروماتيزم، وتنقية الدم
وغيرها، ومن يعرف فوائد الحمام يأتي إليه،
لكن من لا يعرف لا يعطي للأمر أهمية"،
مضيفاً: "بالطبع لدينا خبراء، للتدليك وغيره،
وهم خريجون من جامعة أبو ديس".
دخول الحمام مش زي خروجه
يتحدث مازن أبو علي، وهو أحد العاملين
الرئيسيين في حمام الشفاء: "يتكون الحمام
من ثلاثة أقسام حسب درجة الحرارة، قسم
بارد ويسمى القاعة الصيفية، وهي
للاستراحة ولتناول الطعام، وقسم ساخن
يسمى القاعة الشتوية (المشلح)، وهو مكان
لتغيير الملابس، وقسم حار يحتوي على بلاط النار والساونا والبخار".
ويكمل أبو علي: "ينتقل المستحم خلال
الغرف من القسم البارد إلى الدافئ ثم الحار،
وذلك للمحافظة على درجة حرارة الجسم،
بالإضافة إلى وجود البلاط الساخن، الذي
يستخدم لأغراض علاجية وطبية مفيدة
للجسم وللعضلات، ولعمل المساجات، لتخرج
من الحمام وقد شعرت بالراحة والطمأنينة والانتعاش".
ذكريات 800 عام
تقول أم أحمد إحدى زائرات الحمام: "لا أشعر
بالراحة إلا هنا، فهنا أشعر وكأني في عالمٍ
آخر بعيداً عن الضوضاء وأجواء المدينة، اجتمع
مع صديقاتي، وأتعرف على نساء أخريات،
يأتين من مختلف المدن الفلسطينية ومن
الداخل؛ لنخلق صحبة صداقة جميلة بيننا".
تكمل: "وإذا جاء إلى الحمام عروس كلنا
نَحتفِلُ بها، القريبُ والبعيد، في الحمام نحن
أولاد طبقة واحدة ومجتمع واحد".
يقول يوسف الجابي: "الجد يحكي لأولاده
ولأحفاده عن الحمام، عن قصص أيام زمان
والحكواتي، والأعراس إلي كانت تبدأ من
هون، عن زفة العريس، والحصان، والطبول
التي ما كانت تتوقف"، مشيراً إلى أنها عادة توقفت، وبدأ من جديد العودة إليها.
هل يتأثر عمل الحمام بأوضاع نابلس؟
حمام الشفاء التُركيّ يُعتبر مركزاً أساسياً
للسياحة في نابلس، فلا يمكن لزائري نابلس
أن يخرجوا منها دون أن يأكلوا الكُنافة
النابلسية، أو يزوروا البلدة القديمة، وأن
يتوجهوا إلى الحمام، فإن لم يفعلوا ذلك
فكأنهم لم يزوروا نابلس.
لكن حمام الشفاء مرتبط أيضاً بما تتعرض له
المدينة والحواجز، وعن هذا يقول مازن أبو
علي: "أي تغيير سلبي في الوضع الأمني
والاقتصادي في نابلس، ينعكس سلباً على
حمام الشفاء، وقد يُغلق، وقد حدث ذلك عدة
مرات، وقد أغلق حديثاً ما يقارب الشهرين
بسبب مشاكل أمنية!".