العودة   حلم فلسطين عالم التميز والابداع > الأقــســـام الــعـــامــة > المنتدى الاسلامي Islamic Forum > القرآن الكريم
التسجيل روابط مفيدة

الإهداءات


في رحاب القرآن الكريم

القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-04-2014, 01:39 PM   المشاركة رقم: 21
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم


عطر

اشكرك على مرورك الرائع



انارتي الموضوع












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-05-2014, 12:10 PM   المشاركة رقم: 22
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم















عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-06-2014, 05:12 PM   المشاركة رقم: 23
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم



النداء الأول : النهي عن قول راعنا


قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) } سورة البقرة

كَانَ الأنْصَارُ يَقُولُونَ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم حِينَمَا يَتْلُو عَلَيهِمِ الوَحْيَ : رَاعِنَا ( أيْ تَمَهَّلْ عَلَينا في التّلاوَةِ حَتّى نَعِيَ مَا تَقْرَؤُهُ عَلَينا ) . وَكَانَ اليَهُودُ يَسْتَعْمِلُونَ هذا التَّعْبيرَ في مَخَاطَبتِهِمْ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يَتَظَاهَرُونَ بِأَنَّهُمْ يَريدُونَ أنْ يَقُولُوا لَهُ : ( ارْعِنَا سَمْعَكَ ) .

وَلكِنَّهُمْ كَانُوا يُمِيلُونَ الكَلِمَاتِ بَعْضَ الشَّيءِ ، وَيُورُونَ بِهَا عَنِ الرُّعُونَةِ . ( وَرَاعِينُو فِي العِبْرِيَّةِ مَعْنَاهَا شِرِّيرٌ ) . فَنَبَّهَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ وَالمُؤمِنينَ إلى ذَلِكَ ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اسْتِعْمَالِ هذِِهِ الكَلِمَةِ في مُخَاطَبَةِ الرَّسُولِ . وَأمَرَهُمْ بِأنْ يَسْتَعْمِلُوا بَدَلاً مِنْ كَلِمَةِ ( رَاعِنَا ) ، كَلِمَةَ ( انْظُرْنا ) .

وَيَتَوَعَّدُ اللهُ تَعَالَى اليَهُودَ الكَافِرينَ بِالعَذَابِ الأليمِ الذِي أعَدَّهُ لَهُمْ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ ، وِسُوءِ أدَبِهِمْ بِحَقِّ الرَّسُولِ الكَرِيمِ .

إِنَّ الذِينَ عَرَفْتُمْ حَالَهُمْ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، هَمْ حَسَدَةٌ لَكُمْ لاَ يُرِيدُوُنَ أَنْ يصِيبَكُمْ خَيْرٌ مِنْ رَبِكُمْ ، وَلاَ أَنْ يَتَرَسَّخْ دِينُكُمْ ، وِلاَ أَنْ تَتَثَبَّتَ أَرْكَانُهُ ، وَالمُشْرِكُونَ مِثْلُ أَهْلِ الكِتَابِ فِي كُرْهِهِمْ لَكُمْ ، وَحَسَدِهِمْ إِيَّاكُمْ ، وَتَمَنِّيِهِمْ أَنْ تَدُورَ عَلَى المُسْلِمِينَ الدًّوائِرُ ، وَأَنْ يَنْتَهِي أَمْرُ الإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ . وَحَسَدُ الحَاسِدِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَاخِطٌ عَلَى رَبِّهِ ، مُعْتَرِضٌ عَلَى حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، لأَنَّهُ أَنْعَمَ عَلَى المَحْسُودِ بِمَا أَنْعََمَ ، وَاللهُ لاَ يُضِيرُهُ سَخَطُ السَّاخِطِينَ ، وَلاَ يُحوِّلُ مَجَارَي نِعْمَتِهِ حَسَدُ الحَاسِدِينَ ، فَهُوَ يَخْتَصُّ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ وَهُوَ صَاحِبُ الفَضْلِ العَظِيمِ عَلَى مَنِ اخْتَارَهُ لِلنُّبُوَّةِ ، وَهُوَ صَاحِبُ الإِحْسَانِ وَالمِنَّةِ عَلَى عِبَادِهِ .




قال الفخر : " اعلم أن الله تعالى خاطب المؤمنين بقوله " يا أيها الذين آمنوا " في ثمانية وثمانين موضعاً من القرآن .

قال ابن عباس رضي الله عنه - وكان يخاطب في التوراة بقوله " يا أيها المساكين " فكأنه سبحانه وتعالى لما خاطبهم أولاً بالمساكين أثبت المسكنة لهم آخراً حيث قال " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " [البقرة :61] وهذا يدل على أن الله تعالى - لما خاطب هذه الأمة بالإيمان أولاً ، فإنه تعالى يعطيهم الأمان من العذاب في النيران يوم القيامة ، وأيضاً فاسم المؤمن من أشرف الأسماء والصفات ، فإذا كان يخاطبنا في الدنيا بأشرف الأسماء ، فنرجو من فضله أن يعاملنا في الآخرة بأحسن المعاملات. "واسمعوا" فحصول السماع عند سلامة الحواس أمر ضروري خارج عن قدرة البشر ، فلا يجوز وقوع الأمر به ، فإذن المراد به أحد أمور ثلاثة :

أحدها : فرغوا أسماعكم لما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة .

وثانيها : اسمعوا سماع قبول وطاعة ، ولا يكن سماعكم سماع اليهود حيث قالوا سمعنا وعصينا .

وثالثها : اسمعوا ما أمرتم به حتى لا ترجعوا إلى ما نهيتم عنه تأكيداً عليهم . أ هـ





فقد كانوا يخشون أن يشتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - مواجهة ، فيحتالون على سبه - صلوات الله وسلامه عليه - عن هذا الطريق الملتوي ، الذي لا يسلكه إلا صغار السفهاء! ومن ثم جاء النهي للمؤمنين عن اللفظ الذي يتخذه اليهود ذريعة ، وأمروا أن يستبدلوا به مرادفه في المعنى ، الذي لا يملك السفهاء تحريفه وإمالته . كي يفوتوا على اليهود غرضهم الصغير السفيه!

واستخدام مثل هذه الوسيلة من اليهود يشي بمدى غيظهم وحقدهم ، كما يشي بسوء الأدب ، وخسة الوسيلة ، وانحطاط السلوك . والنهي الوارد بهذه المناسبة يوحي برعاية الله لنبيه وللجماعة المسلمة ، ودفاعه - سبحانه - عن أوليائه ، بإزاء كل كيد وكل قصد شرير من أعدائهم الماكرين .

ثم يكشف للمسلمين عما تكنه لهم صدور اليهود حولهم من الشر والعداء ، وعما تنغل به قلوبهم من الحقد والحسد ، بسبب ما اختصهم به الله من الفضل . ليحذروا أعداءهم ، ويستمسكوا بما يحسدهم هؤلاء الأعداء عليه من الإيمان ، ويشكروا فضل الله عليهم ويحفظوه : { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم . والله يختص برحمته من يشاء . والله ذو الفضل العظيم } . .

ويجمع القرآن بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر . . وكلاهما كافر بالرسالة الأخيرة فهما على قدم سواء من هذه الناحية؛ وكلاهما يضمر للمؤمنين الحقد والضغن ، ولا يود لهم الخير . وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين . هو أن يختارهم الله لهذا الخير وينزل عليهم هذا القرآن ، ويحبوهم بهذه النعمة ، ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض ، وهي الأمانة الكبرى في الوجود .

ولقد سبق الحديث عن حقدهم وغيظهم من أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده ، حتى لقد بلغ بهم الغيظ أن يعلنوا عداءهم لجبريل - عليه السلام - إذ كان ينزل بالوحي على الرسول - صلى الله عليه وسلم - : { والله يختص برحمته من يشاء } . .

فالله أعلم حيث يجعل رسالته؛ فإذا اختص بها محمداً - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين به ، فقد علم - سبحانه - أنه وأنهم أهل لهذا الاختصاص .

{ والله ذو الفضل العظيم } . .

وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة؛ وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه . وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل ، وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد . . وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها - ويقودها - اليهود ، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين ، وهي الخير الضخم الذي ينفسونه على المسلمين!












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-07-2014, 03:15 PM   المشاركة رقم: 24
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم


النداء الثاني : الاستعانة بالصبر والصلاة


قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } سورة البقرة

يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ أَنَّ خَيْرَ مَا يَسْتَعِينَُونَ بِهِ عَلَى إِقَامَةِ دِينِهِمْ ، وَالدِّفَاعَ عَنْهُ ، وَعَلَى سَائِرِ مَا يَشُقُّ عَلَيهِمْ مِنْ مَصَائِبِ الحَيَاةِ هُوَ التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ ، وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى احتِمَالِ المَكَارِهِ ، وَأَدَاءِ الصَّلاَةِ وَإِقَامَتِهَا حَقَّ إِقَامَتِهَا . فَالصَّبْرِ أَشَدُّ الأَعْمَالِ البَاطِنَةِ عَلَى النَّفْسِ ، وَالصَّلاَةُ أَشَدُّ الأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ عََلَى البَدَنِ ، وَاللهُ نَاصِرُ الصَّابِرِينَ ، وَمُجِيبٌ لِدُعَائِهِمْ .

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِفَضْلِ الشَّهَادَةِ وَيَقُولُ لَهُمْ : إِنَّ الشُهَدَاء الذِينَ يُقْتَلُونَ فِي سَبيلِ اللهِ هُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ بِغَيرِ حِسَابٍ ، وَلكِنَّ الأَحيَاءَ لاَ يَشْعُرُونَ بِذلِكَ ، لأَنَّ حَيَاتَهُمْ لَيْسَتْ فِي عَالَمِ الحِسِّ الذِي يُدْرَكُ بِالمَشَاعِرِ .

يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِأَنَّهُ سَيَبْلُوهُمْ وَيَخْتَبِرُهُمْ بِقَليلٍ ( بِشَيءٍ ) مِنْ الخَوْفِ والجُوعِ ، وَبِذَهَابِ بَعْضِ المَالِ ، وَبِمَوتِ بَعْضِ الأَصْحَابِ وَالأَقَارِبِ وَالأَحْبَابِ ، وَبِنَقْصِ غِلاَلِ المَزَارِعِ . . . فَمَنْ صَبَرَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَحُكْمِهِ أَثَابَهُ ، وَمَنْ قَنَطَ وَلَجَّ أَحَلَّ بِهِ عِقَابَهُ .

وَيُبَشِّرُ اللهُ الصَّابِرِينَ بِحُسْنِ العَاقِبَةِ فِي أُمُورِهِمْ .

أّمَّا الصَّابِرُونَ الذِينَ خَصَّهُمُ اللهُ بِالبُشْرَى فَهُمُ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ الخَيْرَ وَالشَّرَّ مِنَ اللهِ ، وَإِذَا نَزَلَتْ بِهِمْ مُصِيبَةٌ صَبَرُوا ، وَتَمَسَّكُوا بِقَولِهِمْ : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ ، أَيْ إِنَّهُم عَبيدُ اللهِ وَمُلْكُهُ ، وَإِنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِليهِ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ . وَفي الحَدِيثِ : " مَنِ استَرجَعَ عِنْدَ المُصِيبَةِ جَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَهُ ، وَأَحْسَنَ عَاقِبَتَهُ ، وَجَعَلَ لَهُ خَلَفاً صَالِحاً يَرْضَاهُ " ( أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ) .

يُثنِي اللهُ جَلَّ شَأْنُهُ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّابِرِينَ ، وَيُخْبِرُ بَأَنَّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ، وَأَنَّهُمْ يَجِدُونَ أَثَرَهَا فِي بَرْدِ قُلُوبِهِمْ عِنْدَ نُزُولِ المُصِيبَةِ ، وَأَنَّهُمْ هُمُ المُهْتَدُونَ إِلى طَريقِ الخَيْرِ ، وَإِلى الحَقِّ والصَّوابِ ، وَأَنَّهُمُ اسْتَسْلَمُوا لِقَضَاءِ اللهِ فَلَمْ يَسْتَحْوِذِ الجَزَعُ عَلَيهِمْ .


يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيراً؛ ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع؛ والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات؛ والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج . . ولا بد من الصبر في هذا كله . . لا بد من الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر على جهاد المشاقين لله ، والصبر على الكيد بشتى صنوفه ، والصبر على بطء النصر ، والصبر على بعد الشقة ، والصبر على انتفاش الباطل ، والصبر على قلة الناصر ، والصبر على طول الطريق الشائك ، والصبر على التواء النفوس ، وضلال القلوب ، وثقلة العناد ، ومضاضة الإعراض . .



وحين يطول الأمد ، ويشق الجهد ، قد يضعف الصبر ، أو ينفد ، إذا لم يكن هناك زاد ومدد . ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر؛ فهي المعين الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ، فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر ، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين.


إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع ، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة . حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئاً وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئاً وشمس العمر تميل للغروب . حينما يجد الشر نافشاً والخير ضاوياً ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق . .



هنا تبدو قيمة الصلاة . . إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض .

إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير . إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود . . ومن هنا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في الشدة قال : « أرحنا بها يا بلال » ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله .



إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة . والعبادة فيه ذات أسرار . ومن أسرارها أنها زاد الطريق . وأنها مدد الروح . وأنها جلاء القلب . وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر . . إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً - صلى الله عليه وسلم - للدور الكبير الشاق الثقيل ، قال له : { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو انقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً } فكان الإعداد للقول الثقيل ، والتكليف الشاق ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل القرآن . . إنها العبادة التي تفتح القلب ، وتوثق الصلة ، وتيسر الأمر ، وتشرق بالنور ، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان .


ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام . . إلى الصبر وإلى الصلاة . .

ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه : { إن الله مع الصابرين } . .

معهم ، يؤيدهم ، ويثبتهم ، ويقويهم ، ويؤنسهم ، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة ، وقوتهم الضعيفة ، إنما يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق . . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب : { يا أيها الذين آمنوا } . . ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب : { إن الله مع الصابرين } .


والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها لمناسبته للسياق القرآني هنا في إعداد الجماعة المسلمة لحمل عبئها والقيام بدورها :

عن خباب بن الأرثّ - رضي الله عنه - « قال شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة . فقلنا : ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار ، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه . . والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله ، والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون » . وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : « كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبياً من الأنبياء عليهم السلام ، ضربه قومه فأدموه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون » وعن يحيى بن وثاب ، عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم » والآن والجماعة المسلمة في المدينة مقبلة على جهاد شاق لإقرار منهج الله في الأرض ، ولأداء دورها المقسوم لها في قدر الله ، ولتسلم الراية والسير بها في الطريق الشاق الطويل . .












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-08-2014, 10:55 PM   المشاركة رقم: 25
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم




النداء الثالث : الأكل من الطيبات


قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) } سورة البقرة
كَانَ المُشْرِكُونَ وَأَهْلُ الكِتَابِ قَبْلَ الإِسْلامِ فِرَقاً وَأَصْنَافا : فَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ أَْشْياءَ كَالبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ عِنْدَ العَرَبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَ بَعْضَ الحَيَوانِ ، وَكَانَ الشَّائِعُ عِنْدَ النَّصَارَى الافْتِتَانُ فِي حِرْمَانِ النَّفسِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، فَقَدْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ اللَّحْمَ وَالسَّمْنَ فِي بَعْضِ أنوَاع صَوْمِهِمْ ، وَحَرَّمُوا السَّمَكَ وَالَّلبَنَ وَالبَيْضَ فِي بَعْضِهَا الآخَرِ.


وَهذِهِ الأَحْكَامُ وَضَعَهَا الرُّؤَسَاءُ ، وَلا وُجُودَ لَهَا فِي التَّورَاةِ ، وَلا نُقِلَتْ عَنِ المَسِيحِ ، عَلَيهِ السَّلاَمُ . وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلى اللهِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ ، وَتَرْكِ حُظُوظِ الجَسَدِ ، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ المُسْلِمِينَ أُمَّةً وَسَطاً تُعطِي الجَسَدَ حَقَّهُ ، وَالرُّوحَ حَقَّهَا . وَقَدْ أَبَاحَ اللهُ لِلْمُؤْمِنينَ الأَكْلَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَحَثَّهُمْ عَلَى شُكْرِهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيهِمْ .


إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه ، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع؛ وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام . ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق ، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم؛ فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيباً من الطيبات ، وأنه إذا حرم عليهم شيئاً فلأنه غير طيب ، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم - وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء - ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك . فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد . . كل أولئك في آية واحدة قليلة الكلمات :{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } ..


ثم يبين لهم المحرمات من المآكل نصاً وتحديداً باستعمال أداة القصر { إنما } . .
{ إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله } . .
والميتة تأباها النفس السليمة وكذلك الدم . فضلاً على ما أثبته الطب - بعد فترة طويلة من تحريم القرآن والتوراة قبله بإذن الله - من تجمع الميكروبات والمواد الضارة في الميتة وفي الدم ، ولا ندري إن كان الطب الحديث قد استقصى ما فيهما من الأذى أم إن هناك أسباباً أخرى للتحريم لم يكشف عنها بعد للناس .
فأما الخنزير فيجادل فيه الآن قوم . . والخنزير بذاته منفر للطبع النظيف القويم . . ومع هذا فقد حرمه الله منذ ذلك الأمد الطويل ليكشف علم الناس منذ قليل أن في لحمه ودمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة ( الدودة الشريطية وبويضاتها المتكيسة ) . ويقول الآن قوم : إن وسائل الطهو الحديثة قد تقدمت ، فلم تعد هذه الديدان وبويضاتها مصدر خطر لأن إبادتها مضمونة بالحرارة العالية التي توافرها وسائل الطهو الحديثة . . وينسى هؤلاء الناس أن علمهم قد احتاج إلى قرون طويلة ليكشف آفة واحدة . فمن ذا الذي يجزم بأن ليس هناك آفات أخرى في لحم الخنزير لم يكشف بعد عنها؟ أفلا تستحق الشريعة التي سبقت هذا العلم البشري بعشرات القرون أن نثق بها ، وندع كلمة الفصل لها ، ونحرم ما حرمت ، ونحلل ما حللت ، وهي من لدن حكيم خبير!


أما ما أهل به لغير الله . أي ما توجه به صاحبه لغير الله . فهو محرم ، لا لعلة فيه ، ولكن للتوجه به لغير الله . محرم لعلة روحية تنافي صحة التصور ، وسلامة القلب ، وطهارة الروح ، وخلوص الضمير ، ووحدة المتجه . . فهو ملحق بالنجاسة المادية والقذارة الحقيقية على هذا المعنى المشترك للنجاسة . وهو ألصق بالعقيدة من سائر المحرمات قبله . وقد حرص الإسلام على أن يكون التوجه لله وحده بلا شريك


ومن هنا تتجلى علاقة التحليل والتحريم في هذه الآيات ، بالحديث عن وحدانية الله ورحمته كذلك في الآيات السابقة . فالصلة قوية ومباشرة بين الاعتقاد في إله واحد ، وبين التلقي عن أمر الله في التحليل والتحريم . . وفي سائر أمور التشريع . .
ومع هذا فالإسلام يحسب حساب الضرورات ، فيبيح فيها المحظورات ، ويحل فيها المحرمات بقدر ما تنتفي هذه الضرورات ، بغير تجاوز لها ولا تعد لحدودها : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . إن الله غفور رحيم } . .
وهو مبدأ عام ينصب هنا على هذه المحرمات . ولكنه بإطلاقه يصح أن يتناول سواها في سائر المقامات . فأيما ضرورة ملجئة يخشى منها على الحياة ، فلصاحبها أن يتفادى هذا الحرج بتناول المحظور في الحدود التي تدفع هذه الضرورة ولا زيادة . على أن هناك خلافاً فقهياً حول مواضع الضرورة . . هل فيها قياس؟ أم هي الضرورات التي نص عليها الله بأعيانها .












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2014, 02:53 PM   المشاركة رقم: 26
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم




النداء الرابع : وجوب القصاص في القتلى


قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) }سورة البقرة

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ قَدْ فَرَضَ ( كَتَبَ ) عَلَيْهِمُ العّدْلَ وَالمُسَاوَاةِ فِي القِصَاصِ ، فَالحُرُّ يُقْتَلُ بِالحُرِّ ، إِذا كَانَ القّتْلُ عَمْداً ، وَالعَبْدُ يُقْتَلُ بِالعَبْدِ ، وَالأُنْثَى تُقْتَلُ بِالأُنْثَى ( وَقَدْ جَرَى العَمَلُ مِنْ لَدُنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلِ الرَّجُلِ بِالمَرْأَةِ ، وَالحُرِّ بِالعَبْدِ إِنْ لَمْ يَكُنِ القَاتِلُ سَيِّدَ العَبْدِ ، فَإِذا كَانَ سَيِّدَهُ عُزِّرَ بِشِدَّةٍ ) ، وَأَمَرَهُمُ اللهُ بِأَلاَّ يَعْتَدُوا وَلا يَتَجَاوَزُوا ، كَمَا اعْتَدَى اليَهُودُ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَغَيَّرُوا حُكْمَ اللهِ ، فَكَانَتْ قَبِيلَةُ بَنِي قُرَيْظَة ضَعْيفةً ، وَقَبِيلَةَ بَنِي النَّضِيرِ قَوِيَّةً ، فَكَانًوا إِذَا قَتِلَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ أَحَداً مَنْ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يَكُنْ يُقْتَلُ بِهِ بَلْ يُفَادَى ، وَإِذَا قَتَلَ القُرَظِيُّ نَضِيرِيّاً كَانَ يُقْتَلُ بِهِ ، وَإِذَا فَادَوْهُ كَانَ يُفَادَى بِمِثْلَيْ مَا يُفَادَى بِهِ النَّضِيْرِيُّ .

وَكَانَ حَيَّانِ مِنَ العَرَبِ قَدْ اقْتَتَلا فِي الجَاهِليَّةِ قُبَيْلَ الإِسْلامِ ، فَكَانَ بَيْنَهُمْ قَتْلَى وَجِرَاحَاتٌ حَتَّى قَتَلُوا العَبيدَ والنِّسَاءَ ، فَكَانَ أَحَدُ الحَيَّينِ لاَ يَرْضَى حَتَّى يَقْتُلَ بِالعَبْدِ مِنهُ الحُرَّ مِنْ خُصُومِهِ ، وَبِالمَرْأَةِ مِنْهُ الرَّجلَ . وَكَانَ هؤُلاءِ لاَ يَقْتُلونَ الرَّجُلَ الذِي يَقْتُلُ المَرْأَةَ عَمْداً ، وَلكِنْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الرَّجُلَ بِالرَّجُلِ ، وَالمَرْأَةَ بِالمَرْأَةِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ : النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنُ بِالعَيْنِ مُبْطِلاً ذلِكَ التَّعَامُلَ ، فَإِذا قَبِلَ وَلِيُّ الدَّمِ أَنْ يَأَخُذَ الدِّيَةَ ، وَيُعْفُو عَنِ القَاتِلِ ، فَعَليهِ أَنْ يَتَّبعَ ذلِكَ بِالمَعْرُوفِ ، وَأَنْ يَطْلُبَ الدِّيَةَ بِرِفْقٍ ، وَأَنْ لاَ يُرْهِقَ القَاتِلَ مِنْ أَمْرِهِ عُسْراً . وَعَلَى القَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَ المَطْلُوبَ مِنْهُ بإِحسَانٍ ، وَأَنْ لا يَمْطُلَ وَلاَ يَنْقُصَ ، وَلا يُسيء فِي كَيْفيَّةِ الأَدَاءِ .

وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى : أَنَّهُ شَرَعَ للناَّسِ أَخْذَ الدِّيَةِ فِي حَالَةِ القَتْلِ العَمْدِ تَخْفِيفاً مِنْهُ ، وَرَحْمَةً بِالمُسْلِمِينَ ، إِذْ كَانَ يَتَوَجَّبُ عَلَى الأُمَمِ السَّالِفَةِ القَتْلُ أَوِ العَفْوُ . وَإِذَا تَعَدَّدَ أَوْلِياءُ الدَّمِ وَعَفَا أَحَدُهُمْ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ ، وَسَقَطَ القِصَاصُ . . وَيَجُوزُ العَفْوُ فِي الدِّيَةِ أَيْضاً . ( وَقِيلَ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ مَفْرُوضاً عَلَيهِمُ القَتْلُ لاَ غَيْرَ ، وَأَهْلَ الإِنْجِيلِ أُمِرُوا بِالعَفْوِ ، وَلَيسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مُقَابِلَ العَفْوِ دِيَةً ) .

وَيُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى مَنْ يَعْتَدِي بِالقَتْلِ عَلَى القَاتِلِ - بَعْدَ العَفْوِ وَالرِّضَا بِالدِّيَةِ - بِالعَذَابِ الشَّدِيدِ مِنْ رَبِّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ .

فِي القِصَاصِ رَاحَةُ البَالِ ، وَصِيَانَةُ النَّاسِ مِنِ اعتِدَاءِ بَعْضِهمْ عَلَى بَعْضِهِم الآخَرِ ، لأَنَّ مَعْرِفَةَ النَّاسِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ يُعَاقَبُ بِالقَتْلِ ، تَحْمِلُهُمْ عَلَى الارتِداعِ عَنِ القَتْلِ ، فَتُصَانُ حَيَاةُ النَّاسِ ، وَحَيَاةُ مَنْ يُفَكِّرُ بِالقَتْلِ . وَخَصَّ اللهُ تَعَالَى بِالنِّداءِ أَرْبَابَ العُقُولِ لِلدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ الذِينَ يَفْهَمُونَ قِيمَةَ الحَيَاةِ ، وَيُحَافِظُونَ عَلَيهَا هُمُ العُقَلاَءُ . وَإِذا تَدَبَّرَ أُولًو الأَلبَابِ الحِكْمَةَ مِنْ شَرْعِ القِصَاصِ حَمَلَهُمْ ذلِكَ عَلَى اتِّقَاءِ الاعتِدَاءِ ، وَالكَفِّ عَنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ .

النداء للذين آمنوا . . بهذه الصفة التي تقتضي التلقي من الله ، الذي آمنوا به ، في تشريع القصاص .

وهو يناديهم لينبئهم أن الله فرض عليهم شريعة القصاص في القتلى ، بالتفصيل الذي جاء في الآية الأولى . وفي الآية الثانية يبين حكمة هذه الشريعة ، ويوقظ فيهم التعقل والتدبر لهذه الحكمة ، كما يستجيش في قلوبهم شعور التقوى؛ وهو صمام الأمن في مجال القتلى والقصاص .

وهذه الشريعة التي تبينها الآية : أنه عند القصاص للقتلى - في حالة العمد - بقتل الحر بالحر ، والعبد بالعبد ، والأنثى بالأنثى .

{ فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } . .

وهذا العفو يكون بقبول الدية من أولياء الدم بدلاً من قتل الجاني . ومتى قبل ولي الدم هذا ورضيه ، فيجب إذن أن يطلبه بالمعروف والرضى والمودة . ويجب على القاتل أو وليه أن يؤديه بإحسان وإجمال وإكمال . تحقيقاً لصفاء القلوب ، وشفاء لجراح النفوس ، وتقوية لأواصر الأخوة بين البقية الأحياء .

وقد امتن الله على الذين آمنوا بشريعة الدية هذه بما فيها من تخفيف ورحمة :

{ ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } . .

ولم يكن هذا التشريع مباحاً لبني إسرائيل في التوراة . إنما شرع للأمة المسلمة استبقاء للأرواح عند التراضي والصفاء .

{ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } . .

وفوق العذاب الذي يتوعده به في الآخرة . . يتعين قتله ، ولا تقبل منه الدية . لأن الاعتداء بعد التراضي والقبول ، نكث للعهد ، وإهدار للتراضي ، وإثارة للشحناء بعد صفاء القلوب ، ومتى قبل ولي الدم الدية ، فلا يجوز له أن يعود فينتقم ويعتدي .

ومن ثم ندرك سعة آفاق الإسلام؛ وبصره بحوافز النفس البشرية عند التشريع لها؛ ومعرفته بما فطرت عليه من النوازع . . إن الغضب للدم فطرة وطبيعة . فالإسلام يلبيها بتقرير شريعة القصاص . فالعدل الجازم هو الذي يكسر شرة النفوس ، ويفثأ حنق الصدور ، ويردع الجاني كذلك عن التمادي ، ولكن الإسلام في الوقت ذاته يحبب في العفو ، ويفتح له الطريق ، ويرسم له الحدود ، فتكون الدعوة إليه بعد تقرير القصاص دعوة إلى التسامي في حدود التطوع ، لا فرضاً يكبت فطرة الإنسان ويحملها ما لا تطيق .

وتذكر بعض الروايات أن هذه الآية منسوخة . نسختها آية المائدة التي نزلت بعدها وجعلت النفس بالنفس إطلاقاً : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس . . الآية } . . قال ابن كثير في التفسير : وذكر في سبب نزولها ما رواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم . حدثنا أبو زرعة . حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير . حدثني عبد الله بن لهيعة . حدثني عطاء بن دينار . عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } - يعني إذا كان عمداً - الحر بالحر . . . وذلك أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية - قبل الإسلام بقليل . فكان بينهم قتل وجراحات ، حتى قتلوا العبيد والنساء ، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا .

فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال ، فحلفوا ألا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم ، والمرأة منا الرجل منهم . . فنزل فيهم : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } . . منسوخة نسختها : { النفس بالنفس } وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله : { النفس بالنفس } .

والذي يظهر لنا أن موضع هذه الآية غير موضع آية النفس بالنفس . . وأن لكل منهما مجالاً غير مجال الأخرى . وأن آية النفس بالنفس مجالها مجال الاعتداء الفردي من فرد معين ، على فرد معين أو من أفراد معينين على فرد أو أفراد معينين كذلك . فيؤخذ الجاني ما دام القتل عمداً . . فأما الآية التي نحن بصددها فمجالها مجال الاعتداء الجماعي - كحالة ذينك الحيين من العرب - حيث تعتدي أسرة على أسرة ، أو قبيلة على قبيلة ، أو جماعة على جماعة . فتصيب منها من الأحرار والعبيد والنساء . . فإذا أقيم ميزان القصاص كان الحر من هذه بالحر من تلك ، والعبد من هذه بالعبد من تلك ، والأنثى من هذه بالأنثى من تلك . وإلا فكيف يكون القصاص في مثل هذه الحالة التي يشترك فيها جماعة في الاعتداء على جماعة؟

وإذا صح هذا النظر لا يكون هناك نسخ لهذه الآية ، ولا تعارض في آيات القصاص.

ثم يكمل السياق الحديث عن فريضة القصاص بما يكشف عن حكمتها العميقة وأهدافها الأخيرة : { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } . .

إنه ليس الانتقام ، وليس إرواء الأحقاد . إنما هو أجل من ذلك وأعلى . إنه للحياة ، وفي سبيل الحياة ، بل هو في ذاته حياة . . ثم إنه للتعقل والتدبر في حكمة الفريضة ، ولاستحياء القلوب واستجاشتها لتقوى الله . .

والحياة التي في القصاص تنبثق من كف الجناة عن الاعتداء ساعة الابتداء . فالذي يوقن أنه يدفع حياته ثمناً لحياة من يقتل . . جدير به أن يتروى ويفكر ويتردد . كما تنبثق من شفاء صدور أولياء الدم عند وقوع القتل بالفعل . شفائها من الحقد والرغبة في الثأر . الثأر الذي لم يكن يقف عند حد في القبائل العربية حتى لتدوم معاركه المتقطعة أربعين عاما كما في حرب البسوس المعروفة عندهم . وكما نرى نحن في واقع حياتنا اليوم ، حيث تسيل الحياة على مذابح الأحقاد العائلية جيلا بعد جيل ، ولا تكف عن المسيل . .

وفي القصاص حياة على معناها الأشمل الأعم . فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها ، واعتداء على كل إنسان حي ، يشترك مع القتيل في سمة الحياة . فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق حياة واحدة ، فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها . وكان في هذا الكف حياة . حياة مطلقة . لا حياة فرد ولا حياة أسرة ، ولا حياة جماعة . . بل حياة . .

ثم - وهو الأهم والعامل المؤثر الأول في حفظ الحياة - استجاشة شعور التدبر لحكمة الله ، ولتقواه : { لعلكم تتقون } ..

هذا هو الرباط الذي يعقل النفوس عن الاعتداء . الاعتداء بالقتل ابتداء ، والاعتداء في الثأر أخيراً . . التقوى . . حساسية القلب وشعروه بالخوف من الله؛ وتحرجه من غضبه وتطلبه لرضاه .

إنه بغير هذا الرباط لا تقوم شريعة ، ولا يفلح قانون ، ولا يتحرج متحرج ، ولا تكفي التنظيمات الخاوية من الروح والحساسية والخوف والطمع في قوة أكبر من قوة الإنسان!

وهذا ما يفسر لنا ندرة عدد الجرائم التي أقيمت فيها الحدود على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعهد الخلفاء ، ومعظمها كان مصحوباً باعتراف الجاني نفسه طائعاً مختاراً . . لقد كانت هنالك التقوى . . كانت هي الحارس اليقظ في داخل الضمائر ، وفي حنايا القلوب ، تكفها عن مواضع الحدود . . إلى جانب الشريعة النيرة البصيرة بخفايا الفطر ومكنونات القلوب . . وكان هناك ذلك التكامل بين التنظيمات والشرائع من ناحية والتوجيهات والعبادات من ناحية أخرى ، تتعاون جميعها على إنشاء مجتمع سليم التصور سليم الشعور . نظيف الحركة نظيف السلوك . لأنها تقيم محكمتها الأولى في داخل الضمير!

« حتى إذا جمحت الصورة البهيمية في حين من الأحيان ، وسقط الإنسان سقطة ، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون تحول هذا الإيمان نفساً لوامة عنيفة ووخزاً لاذعاً للضمير وخيالاً مروعاً ، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون ، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة ، ويتحملها مطمئناً مرتاحاً ، تفادياً من سخط الله ، وعقوبة الآخرة » .

إنها التقوى . . إنها التقوى . .












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-09-2014, 10:51 PM   المشاركة رقم: 27
معلومات العضو

شخصيه مهمه

 
الصورة الرمزية أمـيـر بإحســآســي

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
أمـيـر بإحســآســي غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم

بآرك آلله فيكِ ونفع بكِ
اسأل الله العظيم
أن يرزقكِ الفردوس الأعلى من الجنان
وأن يثيبكِ البارئ على ما طرحتِ خير الثواب
في انتظار جديدكِ المميز
دمتِ بسعآده مدى الحياة












عرض البوم صور أمـيـر بإحســآســي   رد مع اقتباس
قديم 02-10-2014, 02:37 PM   المشاركة رقم: 28
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم

اشكرك امير على مرورك

العطر












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-10-2014, 02:38 PM   المشاركة رقم: 29
معلومات العضو
 
الصورة الرمزية صفاءالقلب

إحصائية العضو






 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
صفاءالقلب غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم



النداء الخامس : فرض الصيام

قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) } سورة البقرة


أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِالصَّومِ تَهْذِيباً لِنُفُوسِهِمْ ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّهُ أَوْجَبَ الصَّومَ عَلَى الأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ ، لِذلِكَ فَإِنَّهُ يُوجِبُهُ عَلَى المُسلِمِينَ ، وَقَدْ فَرَضَ اللهُ الصَّوْمَ عَلَى المُؤْمِنينَ لِيُعِدَّهُمْ لِتَقْوَى اللهِ ، بِتَرْكِ الشَّهَوَاتِ المُبَاحَةِ المَيْسُورَةِ امتِثالاً لأَمْرِهِ ، وَاحتِسَاباً لِلأَجْرِ عِنْدَهُ ، فَتُرَبَّى بِذلِكَ العَزِيمَةُ وَالإِرَادَةُ عَلَى ضَبْطِ النَّفْسِ .
وَقَدْ فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ عَلَيْكُمْ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ، وَلَمْ يُكَلِّفْكُمْ فِي الصَّومِ مَا لاَ تُطِيقُونَ ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَريضاً مَرَضاً يَضُرُّ الصَّومُ مَعَهُ ، أَوْ كَانَ عَلَى سَفَرٍ فَلَهُ أَنْ يَفْطرَ وَيَقْضِيَ الأَيَّامَ التِي أَفْطَرَهَا بَعْدَ بُرْئِهِ مِنَ المَرَضِ ، أَوْ رُجُوعِهِ مِنَ السَّفَرِ.
أَمَّا المُقيمُ غَيرُ المَريضِ الذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الصَّومَ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ لِعُذْرٍ دَائِمٍ كَشَيخُوخَةٍ أو مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُُهُ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ ، وَعَليهِ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكيناً عَنْ كُلِّ يَومٍ ، وَمَنْ صَامَ مُتَطَوِّعاً زِيَادَةً عَنْ الفَرْضِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ .
وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ التِي أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ بِصِيامِهَا هِيَ شََهْرُ رَمَضَانَ . وَيَمْدَحُ اللهُ تَعَالَى شَهْرَ رَمَضَانَ وَيُشِيدُ بِفَضْلِهِ ، وَهُوَ الشَّهْرُ الذِي أَنْزَلَ فِيهِ القُرآنُ الذِي يَهْدِي الذِينَ آمَنُوا بِهِ ، وَفِيهِ دَلائِلُ وَحُجَجٌ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ لِمَنْ فَهِمَهَا وَتَدَبَّرَهَا ، تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الهُدَى المُنَافِي لِلضَّلاَلَةِ ، فَمَنْ شَهِدَ اسْتِهْلاَلَ الشَّهْرِ وَجَبَ عَلَيهِ الصَّوْمُ إِنْ كَانَ مُقِيماً فِي البَلَدِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَدَنِهِ ، وَيُكَرِّرُ تَعَالَى ذِكْرَ الرُّخْصَةِ فِي الإِفْطَارِ لِلْمَرْضَى وَالمُسَافِرِينَ بِشَرْطِ قَضَاءِ الأَيَّامِ التِي يُفْطِرُونَهَا إِكْمَالاً لِلعِدَّةِ ، وَمَتَى أنْهَى المُؤْمِنُ عِبَادَتَهُ مِنْ صِيَامٍ وَصَلاَةٍ ، كَبَّرَ اللهُ ، وَذَكَرَهُ وَشَكَرَهُ عَلَى مَا هَدَاهُ ، لَعَلَّهُ إِنْ فَعَلَ ذلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ للهِ عَلَى مَا أَعَانَهُ عَلَيهِ مِنَ القِيَامِ بِطَاعَتِهِ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ .
قَالَ أَعْرَابِيٌّ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَقَرِيبٌ رَبُّنا فَنُنَاجِيهِ ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَسَكَتَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ، فَأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآيَةَ ، وَفِي الحَدِيثِ : " القُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذا سَأَلْتُمُ اللهَ أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ "
ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالاسْتِجَابَةِ إِليهِ ، وَبِالقِيَامِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ الِإيمَانِ وَالعِبَادَاتِ ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ . . لَعَلَّهُمْ يَكُونُونَ مِنَ المُهْتَدِينَ الرَّاشِدِينَ .


( فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِ الإِسْلاَمِ كَانَ المُسْلِمُ إِذا أَفْطَرَ يَحِلُّ لَهُ الأَكْلُ والشَّربُ والجِمَاعُ حَتَّى صَلاةِ العِشَاءِ ، أَوْ إِلَى أَنْ يَنَامَ قَبْلَ ذلِكَ ، فَإِذَا صَلَّى العِشَاءَ ، أَوْ نَامَ قَبْلَ صَلاةِ العِشَاءِ حَرُمَ عَلِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرابُ وَالجِمَاعُ إِلَى اللَيْلَةِ القَابِلَةِ . فَوَجَدُوا فِي ذلِكَ مَشَقَّةً كَبيرةً بِسَبَبِ اخْتِلاطِهِمْ فِي المَبِيتِ وَالحيَاةِ فَخَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ ) .


وَفِي هذِهِ الآيَةِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِلمُؤْمِنينَ :
أُحلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الجِمَاعُ ( الرَّفَثُ ) ، أَنْتُمْ سَكَنٌ ( لِبَاسٌ ) لِنِسَائِكُمْ وَهُنَّ سَكَنٌ لَكُمْ ، فَقَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ بَعْضَ المُؤْمِنينَ كَانَ يُخَالِفُ الأَمْرَ الدِّينِيَّ فَيَخْتَانُ نَفْسَهُ ، إِذْ يَعْتَقِدُ شَيْئاً ثُمَّ لاَ يَلْتَزِمُ العَمَلَ بِهِ ، فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيُجَامِعُ بَعْدَ صَلاَةِ العِشَاءِ أَوْ بَعْدَ نَوْمِهِ إِنْ نَامَ قَبْلَ الصَّلاةِِ ، فَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ، وَعَفَا عَنْكُمْ ، وَتَجَاوَزَ عَنْ أَخْطَائِكُمْ . ثُمَّ أَعْلَمَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ سَمَحَ لَهُمْ بِالطَّعَامِ والشَّرابِ وَمُبَاشَرَةِ نِسَائِهِمْ حَتَّى الفَجْرِ ( أَيْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ضِيَاءُ الصُّبْحِ مِنْ سَوادِ اللَيْلِ ) . فَمَتَى ظَهَرَ الفَجْرُ امْتَنَعَ عَلَى الصَّائِمِ مَا كَانَ مُبَاحاً لَهُ فِي اللَيْلِ ، وَيَسْتَمِرُّ صَوْمُهُ حَتَّى مَغِيبِ الشَّمْسِ ، وَظُهُورِ أَوَّلِ اللَيْلِ .
وَكَانَ المُسْلِمُونَ يَعْتَكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ أَوْ غَيْرِهَا فِي رَمَضَان ، أَوْ فِي غَيْرِهِ لِلنُّسْكِ وَالعِبَادَةِ ، فَحَرَّمَ اللهُ عَلَيهِمْ مُبَاشَرَةَ النِّسَاءِ ، مَا دَامُوا مُعْتَكِفِينَ ، حَتَّى وَلَوْ أّتَوْا إِلى مَنَازِلِهِمْ لِقَضَاءِ بَعْضِ حَوَائِجِهِمْ لِيَعُودُوا بَعْدَها إِلى الاعْتِكَافِ فِي المَكَانِ الذِي يَعْتَكِفُونَ فِيهِ . وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّ مَا بَيَّنَهُ وَفَرَضَهُ وَحَدَّدَهُ مِنَ الصِّيَامِ ، وَمَا أَبَاحَهُ وَمَا حَرَّمَهُ . هِيَ الحُدُودُ التِي شَرَعَهَا اللهُ لِعِبَادِهِ ، وَكَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ ، عَلَى لِسَانِ أَنْبِياَئِهِ وَرُسُلِهِ ، آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لِيَعْرِفُوا كَيْفَ يََهْتَدُونَ ، وَكَيْفَ يُطِيعُونَ ( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) .
إن الله - سبحانه - يعلم أن التكليف أمر تحتاج النفس البشرية فيه إلى عون ودفع واستجاشة لتنهض به وتستجيب له؛ مهما يكن فيه من حكمة ونفع ، حتى تقتنع به وتراض عليه .


ومن ثم يبدأ التكليف بذلك النداء الحبيب إلى المؤمنين ، المذكر لهم بحقيقتهم الأصيلة؛ ثم يقرر لهم - بعد ندائهم ذلك النداء - أن الصوم فريضة قديمة على المؤمنين بالله في كل دين ، وأن الغاية الأولى هي إعداد قلوبهم للتقوى والشفافية والحساسية والخشية من الله :
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } . .
وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم . . إنها التقوى . . فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة ، طاعة لله ، وإيثاراً لرضاه . والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية ، ولو تلك التي تهجس في البال ، والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله ، ووزنها في ميزانه . فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم . وهذا الصوم أداة من أدواتها ، وطريق موصل إليها . ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفاً وضيئاً يتجهون إليه عن طريق الصيام . . { لعلكم تتقون } . .


ثم يثني بتقرير أن الصوم أيام معدودات ، فليس فريضة العمر وتكليف الدهر . ومع هذا فقد أعفي من أدائه المرضى حتى يصحوا ، والمسافرون حتى يقيموا ، تحقيقاً وتيسيراً :
{ أياماً معدودات . فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } ..
وظاهر النص في المرض والسفر يطلق ولا يحدد . فأي مرض وأي سفر يسوغ الفطر ، على أن يقضي المريض حين يصح والمسافر حين يقيم . وهذا هو الأولى في فهم هذا النص القرآني المطلق ، والأقرب إلى المفهوم الإسلامي في رفع الحرج ومنع الضرر . فليست شدة المرض ولا مشقة السفر هي التي يتعلق بها الحكم إنما هي المرض والسفر إطلاقاً ، لإرادة اليسر بالناس لا العسر . ونحن لا ندري حكمة الله كلها في تعليقه بمطلق المرض ومطلق السفر؛ فقد تكون هناك اعتبارات أخرى يعلمها الله ويجهلها البشر في المرض والسفر؛ وقد تكون هناك مشقات أخرى لا تظهر للحظتها ، أو لا تظهر للتقدير البشري . . وما دام الله لم يكشف عن علة الحكم فنحن لا نتأولها؛ ولكن نطيع النصوص ولو خفيت علينا حكمتها . فوراءها قطعاً حكمة . وليس من الضروري أن نكون نحن ندركها .


يبقى أن القول بهذا يخشى أن يحمل المترخصين على شدة الترخص ، وأن تهمل العبادات المفروضة لأدنى سبب . مما جعل الفقهاء يتشددون ويشترطون . ولكن هذا - في اعتقادي - لا يبرر التقييد فيما أطلقه النص . فالدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات ، إنما يقودهم بالتقوى . وغاية هذه العبادة خاصة هي التقوى . والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء ، لأن الغاية الأولى من أداء الفريضة لا تتحقق . وهذا الدين دين الله لا دين الناس . والله أعلم بتكامل هذا الدين ، بين مواضع الترخص ومواضع التشدد؛ وقد يكون وراء الرخصة في موضع من المصلحة ما لا يتحقق بدونها . بل لا بد أن يكون الأمر كذلك . ومن ثم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ المسلمون برخص الله التي رخصها لهم . وإذا حدث أن فسد الناس في جيل من الأجيال فإن إصلاحهم لا يتأتى من طريق التشدد في الأحكام؛ ولكن يتأتى من طريق إصلاح تربيتهم وقلوبهم واستحياء شعور التقوى في أرواحهم . وإذا صح التشدد في أحكام المعاملات عند فساد الناس كعلاج رادع ، وسد للذرائع ، فإن الأمر في الشعائر التعبدية يختلف ، إذ هي حساب بين العبد والرب ، لا تتعلق به مصالح العباد تعلقاً مباشراً كأحكام المعاملات التي يراعى فيها الظاهر . والظاهر في العبادات لا يجدي ما لم يقم على تقوى القلوب . وإذا وجدت التقوى لم يتفلت متفلت ، ولم يستخدم الرخصة إلا حيث يرتضيها قلبه ، ويراها هي الأولى ، ويحس أن طاعة الله في أن يأخذ بها في الحالة التي يواجهها ، أما تشديد الأحكام جملة في العبادات أو الميل إلى التضييق من إطلاق الرخص التي أطلقتها النصوص ، فقد ينشيء حرجاً لبعض المتحرجين . في الوقت الذي لا يجدي كثيراً في تقويم المتفلتين . . والأولى على كل حال أن نأخذ الأمور بالصورة التي أرادها الله في هذا الدين .



وفي أول الأمر كان تكليف الصوم شاقاً على المسلمين - وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة قبيل فرض الجهاد - فجعل الله فيه رخصة لمن يستطيع الصوم بجهد - وهو مدلول يطيقونه - فالإطاقة الاحتمال بأقصى جهد - جعل الله هذه الرخصة ، وهي الفطر مع إطعام مسكين . . ثم حببهم في التطوع بإطعام المساكين إطلاقاً ، إما تطوعاً بغير الفدية ، وإما بالإكثار عن حد الفدية ، كأن يطعم اثنين أو ثلاثة أو أكثر بكل يوم من أيام الفطر في رمضان : { فمن تطوع خيراً فهو خير له } . . ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة - في غير سفر ولا مرض - : { وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون } . . لما في الصوم من خير في هذه الحالة . يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة ، وتقوية الاحتمال ، وإيثار عبادة الله على الراحة . وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية .


كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية - لغير المريض - حتى ولو أحس الصائم بالجهد .
وعلى أية حال فقد كان هذا التوجيه تمهيداً لرفع هذه الرخصة عن الصحيح المقيم وإيجاب الصيام إطلاقاً . كما جاء فيما بعد . وقد بقيت للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم ، ولا ترجى له حالة يكون فيها قادراً على القضاء . . فأخرج الإمام مالك أنه بلغه أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي . . وقال ابن عباس : ليست منسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً . . وعن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل ، فقال : قال ابن عباس نزلت هذه الآية فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكيناً وأفطر . فالنسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بالآية الآتية : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه . . . } .


وتحبيب آخر في أداء هذه الفريضة للصحيح المقيم . . إنها صوم رمضان : الشهر الذي أنزل فيه القرآن - إما بمعنى أن بدء نزوله كان في رمضان ، أو أن معظمه نزل في أشهر رمضان - والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور ، فأنشأها هذه النشأة ، وبدلها من خوفها أمناً ، ومكن لها في الأرض ، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة ، ولم تكن من قبل شيئاً . وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء . فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن :
{ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان . . فمن شهد منكم الشهر فليصمه . ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } . .

وهذه هي الآية الموجبة الناسخة لرخصة الإفطار والفدية بالنسبة للصحيح المقيم - فيما عدا الشيخ والشيخة كما أسلفنا : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } . .

أي من حضر منكم الشهر غير مسافر . أو من رأى منكم هلال الشهر . والمستيقن من مشاهدة الهلال بأية وسيلة أخرى كالذي يشهده في إيجاب الصوم عليه عدة أيام رمضان .

ولما كان هذا نصاً عاماً فقد عاد ليستثني منه من كان مريضاً أو على سفر : { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر } . .

وتحبيب ثالث في أداء الفريضة ، وبيان لرحمة الله في التكليف وفي الرخصة سواء : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . .

وهذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها . فهي ميسرة لا عسر فيها . وهي توحي للقلب الذي يتذوقها ، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها؛ وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد .

سماحة تؤدى معها كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري ، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء . مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين .
وقد جعل الصوم للمسافر والمريض في أيام أخر ، لكي يتمكن المضطر من إكمال عدة أيام الشهر ، فلا يضيع عليه أجرها : { ولتكملوا العدة } .

والصوم على هذا نعمة تستحق التكبير والشكر : { ولتكبروا الله على ما هداكم . ولعلكم تشكرون }.
فهذه غاية من غايات الفريضة . . أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم . وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة . وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية ، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها . وهم شاعرون بالهدى ملموساً محسوساً ليكبروا الله على هذه الهداية ، وليشكروه على هذه النعمة . ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة . كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام : { لعلكم تتقون } . .

وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقّاً على الأبدان والنفوس . وتتجلى الغاية التربوية منه ، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه ، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير .
وقبل أن يمضي السياق في بيان أحكام تفصيلية عن مواعيد الصيام ، وحدود المتاع فيه وحدود الإمساك . . نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفايا السريرة . نجد العوض الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم ، والجزاء المعجل على الاستجابة لله . . نجد ذلك العوض وهذا الجزاء في القرب من الله ، وفي استجابته للدعاء . . تصوره ألفاظ رفافة شفافة تكاد تنير : { وإذا سألك عبادي عني ، فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان . فليستجيبوا لي ، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } . .

فإني قريب . . أجيب دعوة الداع إذا دعان . . أية رقة؟ وأي انعطاف؟ وأية شفافية؟ وأي إيناس؟ وأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود ، وظل هذا القرب ، وظل هذا الإيناس؟

وفي كل لفظ في التعبير في الآية كلها تلك النداوة الحبيبة : { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . أجيب دعوة الداع إذا دعان } . .
إضافة العباد إليه ، والرد المباشر عليهم منه . . لم يقل : فقل لهم : إني قريب . . إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال . . قريب . . ولم يقل أسمع الدعاء . . إنما عجل بإجابة الدعاء : { أجيب دعوة الداع إذا دعان } . .
إنها آية عجيبة . . آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة ، والود المؤنس ، والرضى المطمئن ، والثقة واليقين . . ويعيش منها المؤمن في جناب رضيّ ، وقربى ندية ، وملاذ أمين وقرار مكين .
وفي ظل هذا الأنس الحبيب ، وهذا القرب الودود ، وهذه الاستجابة الوحية . . يوجه الله عباده إلى الاستجابة له ، والإيمان به ، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح .
{ فليستجيبوا لي ، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون } . .
فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك .
. وهي الرشد والهدى والصلاح . فالله غني عن العالمين .
والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة لله هو الرشد . فالمنهج الإلهي الذي اختاره الله للبشر هو المنهج الوحيد الراشد القاصد؛ وما عداه جاهلية وسفه لا يرضاه راشد ، ولا ينتهي إلى رشاد . واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له هم ويرشدون . وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه . فهو يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم .


أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن ميمون - بإسناده - عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيراً فيردهما خائبين » .
وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - بإسناده - عن ابن ثوبان : ورواه عبد الله بن الإمام أحمد - بإسناده - عن عبادة بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو كف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم » .
وفي الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « يستجاب لأحدكم ما لم يعجل . يقول دعوت فلم يستجب لي! » .

وفي صحيح مسلم : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : « لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل قيل : يا رسول الله وما الاستعجال . قال : يقول : قد دعوت ، وقد دعوت ، فلم أر يستجاب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء » .
والصائم أقرب الدعاة استجابة ، كما روى الإمام أبو داود الطيالسي في مسنده - بإسناده - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : « سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة . . » فكان عبد الله ابن عمر إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا . وروى ابن ماجه في سننه - بإسناده - عن عبد الله بن عمر كذلك قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد » وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة ، وتفتح لها أبواب السماء ، ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين » .


ومن ثم جاء ذكر الدعاء في ثنايا الحديث عن الصيام .
ثم يمضي السياق يبين للذين آمنوا بعض أحكام الصيام . فيقرر لهم حل المباشرة للنساء في ليلة الصوم ما بين المغرب والفجر . وحل الطعام والشراب كذلك ، كما يبين لهم مواعيد الصوم من الفجر إلى الغروب ، وحكم المباشرة في فترة الاعتكاف في المساجد : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ، هن لباس لكم وأنتم لباس لهن؛ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم؛ فالأن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم ، وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ، ثم أتموا الصيام إلى الليل ، ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد . تلك حدود الله فلا تقربوها . كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } .


وفي أول فرض الصوم كانت المباشرة والطعام والشراب تمتنع لو نام الصائم بعد إفطاره . فإذا صحا بعد نومه من الليل - ولو كان قبل الفجر - لم تحل له المباشرة ولم يحل له الطعام والشراب . وقد وقع أن بعضهم لم يجد طعاماً عند أهله وقت الإفطار ، فغلبه النوم ، ثم صحا فلم يحل له الطعام والشراب فواصل . ثم جهد في النهار التالي وبلغ أمره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما وقع أن بعضهم نام بعد الإفطار أو نامت امرأته ، ثم وجد في نفسه دفعة للمباشرة ففعل وبلغ أمره إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبدت المشقة في أخذ المسلمين بهذا التكليف ، فردهم الله إلى اليسر وتجربتهم حاضرة في نفوسهم ، ليحسوا بقيمة اليسر وبمدى الرحمة والاستجابة . . ونزلت هذه الآية نزلت . تحل لهم المباشرة ما بين المغرب والفجر : { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } . .


والرفث مقدمات المباشرة ، أو المباشرة ذاتها ، وكلاهما مقصود هنا ومباح . . ولكن القرآن لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة ، تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقاً ونداوة ، وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته ، وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة : { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن } . .

واللباس ساتر وواق . . وكذلك هذه الصلة بين الزوجين . تستر كلاًّ منهما وتقيه . والإسلام الذي يأخذ هذا الكائن الإنساني بواقعه كله ، ويرتضي تكوينه وفطرته كما هي ، ويأخذ بيده إلى معارج الارتفاع بكليته . . الإسلام وهذه نظرته يلبي دفعة اللحم والدم . وينسم عليها هذه النسمة اللطيفة ، ويدثرها بهذا الدثار اللطيف . . في آن . .

ويكشف لهم عن خبيئة مشاعرهم ، وهو يكشف لهم عن رحمته بالاستجابة لهواتف فطرتهم : { علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم . فتاب عليكم وعفا عنكم } . .
وهذه الخيانة لأنفسهم التي يحدثهم عنها ، تتمثل في الهواتف الحبيسة ، والرغبات المكبوتة؛ أو تتمثل في الفعل ذاته ، وقد ورد أن بعضهم أتاه . . وفي كلتا الحالتين لقد تاب عليهم وعفا عنهم ، مذ ظهر ضعفهم وعلمه الله منهم .
. فأباح لهم ما كانوا يختانون فيه أنفسهم : { فالأن باشروهن } . .
ولكن هذه الإباحة لا تمضي دون أن تربط بالله ، ودون توجيه النفوس في هذا النشاط لله أيضاً : { وابتغوا ما كتب الله لكم } . .
ابتغوا هذا الذي كتبه الله لكم من المتعة بالنساء ، ومن المتعة بالذرية ، ثمرة المباشرة . فكلتاهما من أمر الله ، ومن المتاع الذي أعطاكم إياه ، ومن إباحتها وإتاحتها يباح لكم طلبها وابتغاؤها . وهي موصولة بالله فهي من عطاياه . ومن ورائها حكمة ، ولها في حسابه غاية . فليست إذن مجرد اندفاع حيواني موصول بالجسد ، منفصل عن ذلك الأفق الأعلى الذي يتجه إليه كل نشاط .


بهذا ترتبط المباشرة بين الزوجين بغاية أكبر منهما ، وأفق أرفع من الأرض ومن لحظة اللذة بينهما . وبهذا تنظف هذه العلاقة وترق وترقى . . ومن مراجعة مثل هذه الإيحاءات في التوجيه القرآني وفي التصور الإسلامي ندرك قيمة الجهد المثمر الحكيم الذي يبذل لترقية هذه البشرية وتطويرها ، في حدود فطرتها وطاقتها وطبيعة تكوينها . وهذا هو المنهج الإسلامي للتربية والاستعلاء والنماء . المنهج الخارج من يد الخالق . وهو أعلم بمن خلق ، وهو اللطيف الخبير .
وكما أباح المباشرة أباح الطعام والشراب في الفترة ذاتها : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر } . .
أي حتى ينتشر النور في الأفق وعلى قمم الجبال . وليس هو ظهور الخيط الأبيض في السماء وهو ما يسمى بالفجر الكاذب . وحسب الروايات التي وردت في تحديد وقت الإمساك نستطيع أن نقول : إنه قبل طلوع الشمس بقليل . وإننا نمسك الآن وفق المواعيد المعروفة في قطرنا هذا قبل أوان الإمساك الشرعي ببعض الوقت . . ربما زيادة في الاحتياط . .
قال ابن جرير - بإسناده - عن سمرة بن جندب : قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض ، حتى ينفجر الفجر أو يطلع الفجر » . ثم رواه من حديث شعبة وغيره عن سواد بن حنظلة عن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ، ولكنه الفجر المستطير في الأفق » . والفجر المستطير في الأفق يسبق طلوع الشمس بوقت قليل . . وكان بلال - رضي الله عنه - يبكر في الأذان لتنبيه النائم ، وكان ابن أم مكتوم يؤذن متأخراً للإمساك وإلى هذا كانت الإشارة إلى أذان بلال . .

ثم يذكر حكم المباشرة في فترة الاعتكاف في المساجد . والاعتكاف - بمعنى الخلوة إلى الله في المساجد . وعدم دخول البيوت إلا لضرورة قضاء الحاجة ، أو ضرورة الطعام والشراب - يستحب في رمضان في الأيام الأخيرة . وكانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشر الأواخر منه . . وهي فترة تجرد لله .
ومن ثم امتنعت فيها المباشرة تحقيقاً لهذا التجرد الكامل ، الذي تنسلخ فيه النفس من كل شيء ، ويخلص فيه القلب من كل شاغل : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } . .
سواء في ذلك فترة الإمساك وفترة الإفطار .
وفي النهاية يربط الأمر كله بالله على طريقة القرآن في توجيه كل نشاط وكل امتناع . كل أمر وكل نهي . كل حركة وكل سكون : { تلك حدود الله فلا تقربوها } . .


والنهي هنا عن القرب . . لتكون هناك منطقة أمان . فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه . والإنسان لا يملك نفسه في كل وقت ; فأحرى به ألا يعرض إرادته للامتحان بالقرب من المحظورات المشتهاة ، اعتماداً على أنه يمنع نفسه حين يريد . ولأن المجال هنا مجال حدود للملاذ والشهوات كان الأمر : { فلا تقربوها } . . والمقصود هو المواقعة لا القرب . ولكن هذا التحذير على هذا النحو له إيحاؤه في التحرج والتقوى : { كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون } . .
وكذلك تلوح التقوى غاية يبين الله آياته للناس ليبلغوها ، وهي غاية كبيرة يدرك قيمتها الذين آمنوا ، المخاطبون بهذا القرآن في كل حين .












عرض البوم صور صفاءالقلب   رد مع اقتباس
قديم 02-11-2014, 08:17 AM   المشاركة رقم: 30
معلومات العضو

مستشاره اداريه

 
الصورة الرمزية سمآ الحرية

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
سمآ الحرية غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : صفاءالقلب المنتدى : القرآن الكريم
افتراضي رد: في رحاب القرآن الكريم

فائدة في قوله تعالى: ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخرةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً )

جمعت بين التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والحض على
فعل الخير والزجر عن فعل الشر إذ قوله: (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)
يتضمن حثهم على كسب الخير وزجرهم عن كسب الشر.












عرض البوم صور سمآ الحرية   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إحصائيات القرآن الكريم ابونضال القرآن الكريم 23 03-31-2013 02:28 PM
هاك ألاستماع الى القرآن الكريم وتصفح القرآن مباشرة من المنتدى في صفحة مستقله الاصدار فارس تطوير منتديات vBulletin vb3.8.0 12 02-11-2013 08:26 AM
برنامج تحفة ونادر القرآن الكريم كامل بصوت مشاهير القرآن ومساحته (( 16 كيلو )) نعم صدق احمد منتدى الكمبيوتر والبرامج Technology Programs 17 07-29-2012 11:20 PM
روابط القرآن الكريم جورية البستان منتدى ا علانات حلم فلسطين 6 11-07-2010 02:20 AM
اللغة العربية في رحاب القرآن الكريم زهرة نيسان الدعوة والمحاضرات، والتفسير 2 05-27-2008 10:27 AM


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. wsport
adv helm by : llssll