ألتفتُ يميناً لإجَد شيخَ يبلغُ من العُمر عتيّا يحملُ صُوراً لا تكادُ عينايْ إستراقَ مافِيها يبتسِم حِين ينظرُ لِأطفالِ يلعبُون ويعُود للِبُكاء حِين ينظرُ لِتلكَ الصُور !
فُضولِي ليسَ باردِاً لِتلكِ الدَرجةْ فقُمت مِن مكِاني مشيتُ جانبِ الرجُل إختبئتُ خلف الشَجرةِ التِي كانَ جِالساً تحتَ ظِلّها ,أستمعُ لهِ يرددّ كلامِ لم تستطِع أذنُاي السقِيمتان سماعُه
ولكنّي سمعتُ ( عُودي ) مع نحيبُ وشهيَق تملؤُه عبراتٌ الدُموع, لِحظْ الرجُل وجُودي فأدخلْ الصُور في حقيبَه كان يحملِهُا وأخرجَ مِنديلاً مسَح ماءِ عينيهْ وعاد بِالنظَر للأطفَال
قُمت مِن مَكانِي مُجدداً ذهبتُ لهُ وقُلت : سلامُ الله عليكَ ياعمّ !, نظَر لِي بنظَراتْ إستفهَام كبِيره وقَال : وعليكِ السَلامْ يابُنيّه ..
عِندما قَال "يابُنيّه" شعرتُ وكّأن قلبِي نبضَ بِسُرعه وجِلدي إقشعَر كُلّه فلرُبما لمَ أسمعهَا مُنذ زمَن وإشتقتٌ لِسماعِها ,
فقلتُ : أأنتَ بخِير ؟ فردّ لِي بِإبتسامةْ زرعتْ فِي قلبِي وُروداً وجعلتِ فِي قلبِي أنهارَ الأملْ فقلتُ : جمِيعُنا نستطِيعُ الإبتسِام ولو لَم نكُن بخِير, فقَالْ : أكُنتِي تُراقبِين ؟
فإحمرّت خدّاي خجَلاً وقُلت : أيضُايقك ؟ أنا فتَاةْ مُزعجه ,مُتطفّله وأعلمُ ذلِك .. فضِحكْ وقَال : أتعلمِين ؟ أملكُ فتاةْ بِعُمرك تُشبهُ إبتسِامتِكْ وتملُكان نفسِ إنبثاقِ الحيَوية
فرددتُ مازِحْه : كِم هِي محظُوظة !, جلستُ بجانِبه وقُلت : تملُك إبتسِامه جِميله , رُوح مرحِه فِلِم البُكاء ؟ كِدتُ أن أبكِي معُك أُقسِم !
فقَال : قد ذهبتُ ولن تعُود فهذا مَايُبكيني ,أأسفُ إنْ كانتَ فاجِعه أن رأيتِي رجُلا بِعمر جدّك يبكِي كَطفِل !, فنظرتُ بدهشِه : لاتقُل هذاِ ! أحبّ البَاكُون فهُم يشعرٌون
من لايبكِي فُهو لم يملكِ قلباً أصلاً ,منِ هِي التِي ذهَبت ؟
: زوجتِي ,وَأوطانِي ..
: أرِحلتُها بِلا عودّه ؟
: بِلا عودَه ( وبدأتِ نبراتُ صوتِه بالتغيُّر )
: أأسفُ ,أأسفُ حقاً يجبُ عليّ الذهابُ الآنْ حيثُ ماكُنت كَي لا أسببّ المزِيد مِن الإزعاجْ
: لم تُزعجينِي بل ملأتِيني بالحَياة ,كانْ اللهُ معكِ ,,
عُدت لشجَرتيْ وأوراقِي وصبِاحيْ المُظلِم , وَبدأ عقلِي بِالتفكِير ( أأنِا عجُوز ؟ )
هُو لمْ يبكِي إلا لِزوجتِه وأنا أبكِي كُلّ يوم ,والشيخ لايبكِي إلا لِكبير وكثيراً ما أُدعىْ بِ الراشِدةْ !
أأنِا عجُوز ؟ فِأنِا يُبكِيني نفحُ الهَواءْ بدُون "صُور"
أأنا عجُوز ؟ فأنا عَذراءْ ولكنِي أملُك حبيباً مُزيّف صنعتُه بنفسِي وأبكِي مِنهُ كلّ يَوم
أأنا عجُوز ؟
لا أمتِلكُ تجُعّداتْ فِي وجهِي ولمِ تبرُز عُروقِ يدِي بَعد ,ولمْ يقصُر نظرِيْ ويخفّ سمعِي ولَم يشيبْ رأسِي !
ولكنِ قلبِي شارفَ عَلى المَوتْ ,ذاقِ المُوت وهُو لا يزالُ حيّاً أستطعَم المُرّ ويبتسٍم أدعاءً أن طعمُه حُلو !
بردُت أطرافُ يدِي فأيقنتُ أن الريَاح بدَأت بِ الهُبوبْ طارتُ أوراقِي فركضُت خلفِها متمنّيه أن أستطِيع الإمساكِ بِها كُلها
وجدتُ الرجُل نفسَه يحمُل أوراقِي ومددهَا لي بإبتسَامه عريضُه فأخذتُ أوراقِي ورددتُ الإبتسامةْ نفسَها ..
حادِثِه قدِيمهْ العَهدْ قديمَه التأليفِ ولكَن التسَاؤَل لازَال يتجددّ ( أطِفلةُ أنْا أم عجُوز عاثُ عليهِا الزمَن ؟ )