د. جمال عبد الناصر أبو نحل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدا الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء" بدأ الإسلام غريبًا بين أهله في مكة حينما حاربت قريش النبي صل الله عليه وسلم، وانتهت الغربة بعد فتح مكة وانتشار الإسلام وسيعود غريبًا من بلاد الغرب ومن أوروبا؛ حيث سيدخلون في الإسلام أفواجًا.
نجد في هذا الزمان الذى نعيشه اليوم العجب العُجاب، بحيث أنهُ لم يبقي من الإسلام سوى اسمهُ بين المسلمين ولم يبقي من المصحف سوى رسمه؛ تجد المسلمين يصلون وكأنهم لا يصلون لا خشوع لا خضوع لا تقوى لا تحريم ما حرم الله، ولا يحللون ما أحل الله، تجدهم يصلون ولكنهم يكذبون، يصلون ويصومون ويقومون الليل، ولكنهم الكثير منهم يسرقون ويغتابون، ويمشون بالنميمة، تجهم يصلون ولكنهم يتقاتلون ويقتل بعضهم بعضًا، ويتخاصمون ومنهم من يظلم ومنهم من يبغي على أخاه المسلم. وإن سألت عن أحوال المسلمين والعدل فيما بينهم فقل لهم لقد مات الخليفة الفاروق العادل عمر بن الخطاب رضى الله عنه... جاء في الحديث القدسي عن الله سبحانه وتعالى عن النبي صل الله عليه وسلم: قوله تعالى إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يّبِت مُصرًا على معصيتهِ ورحم الأرملة والمسكين وابن السبيل، وقطع نهاره في ذكرى. أين المسلمون من هذا الحديث القدسي الشريف؟.
ترى من المسلمين يصلون و قد لا يصلون، وتجد منهم من يقف في الصفوف الأولى لكن بعضهم يحرمون بناتهم من الميراث، وترى منهم المُلتحون والراكعون الساجدون؛ لكنهم لا يغارون على عرضهم يُلبسون بناتهم ونسائهم القصير والبنطالون وما يشف من الثياب ، تجد منهم الصوام القوام لكنه بخيل شحيح، يهجرون بعضهم البعض لا يردون السلام إلا على بعض من يعرفون، وترى منهم المصلون؛ لكنهم يظلمون ويبغون في الأرض الفساد، ولا يرقبون في مؤمنٍ إلاً ولا ذمة، تجد في بلاد المسلمين منهم المصلون الصائمون الموحدون، لكن بلادهم غير نظيفة، بيوت المسلمين وشوارعهم، ومواعيدهم وعهودهم ومواثيقهم فيها الغدر وعدم الوفاء، تجد الظلم حل في كل مكان والقتل قد أستشري بينهم، حتى أصبح القاتل لا يعرف فيما قتل ولا المقتول فيما قتل، تجد بعضهم أصبح هواه تبعاً ليس لدينة وإسلامه بل تبعًا لتنظيمه وحزبهِ وفصيِله، ومنهم هواه لعشيرتهِ وحمولتهِ وقبيلته وفصيلتهِ التي تؤويه. تجد لكل إمريٍ منهم شأنٌ يغُنيه، وهمهُ نفسهُ وهي فقط التي تُعنيه.
في زمن الإسلام الغائب اليوم عن المسلمين أنفسُهم تجد الجار لا يراعي حق جاره ولا يأمن جارهُ بوائقه، وكلٌ يُغني على ليلاه. وتجد المصلون لكن كيف أخلاقهم، تجد منهم الفاحش والبدئ، والهماز المشاء بنميم، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما سأل عن أكثر ما يدخل أهل الجنة الجنة: قال حُسن الخُلق، وأكثر ما يدخل أهل النار النار، قال: سوء الخلق، وإن الرجل ليبلغ درجة الصائم النهار القائم الليل بحسن خُلقهِ؛ تجد المسلمون في زمن الإسلام الغائب، الإسلام دين الحضارة والنظافة والعدل والرحمة والتسامح، وحقوق الإنسان والحيوان؛ ترى بلادهم وشوارعهم مليئة بالقاذورات والأوساخ، وديننا دين النظافة والطهارة، وتجد عدم إتقان الصانع لصنعته ببلاد المسلمين بل الغش والخداع بها، تجدهم يستوردون حاجاتهم من الغرب وصناعاتهم من بلاد الكفر، اشتروا الدنيا بالأخرة، عمروا دنياهم وخربوا آخرتهم.
يُروى إن الخليفة المنصور كان يطوف بالكعبة حاجاً وإذ به يسمع رجلٌ يطوف بالكعبة أمامهُ ويدعو بأعلى صوتهِ على الخليفة المنصور ويقول: اللهم انتقم ممن ولى أمرنا وظلمنا وجار علينا؛ فوكزه المنصور بيده وقال له ويحك يا رجل لماذا تدعو علي؟ قال له الرجل لن أتكلم حتى تعطيني الأمان على نفسي، قال له الخليفة لك الأمان تكلم: فقال الرجل يا خليفة المسلمين: لقد ولاك الله علينا وجعلت بيننا وبينك حُراساً وخدمًا وسدنة، وحجابًا؛ وجمعت الأصفر(الذهب) والضرائب والأموال والحل والحرير، وأنت خليفة المسلمين تؤمهم بالحرم وتصوم النهار وتقوم الليل وتقرأ وتحفظ كتاب الله؛ لكنك قصرت بالرعية ولم تحكم بالسوية، فلم نستطيع الوصول إليك؛ وقد كان من قبلك بنو امية، ملكهم أعظم من ملكك وأموالهم أعظم من أموالك، ولقد رأيت ابن عمر بن عبد العزيز الخليفة الخامس رضي الله عنه فقيراً لا مال له وقد ملك أبوه ملك الدنيا وفاضت الأموال في عهده لكنه كان عادلاً؛ وقد رأيت أحد أبناء عبد الملك بن مروان فقيراً يسأل الناس حاجته. أيها الخليفة: هناك ملك في الصين كافر فَقّد سمعهُ فكان يبكى فيقال له اصبر لماذا تبكى فقال لهم: لا أبكى على فقد سمعي بل أبكى لأنني لم اعد أستطع أن أسمع شكوى المظلومين، وأمر هذا الملك من كانت له شكوى فليلبس اللون الأحمر، وحرم لبس الأحمر على جميع الناس باستثناء من لهم شكوى حتى يعرفهم بين الناس ويساعدهم. فقال الخليفة المنصور للرجل ما العمل؟ فقال له الرجل: أن تصرف السدنة والحراس والحجاب والخدم وتفتح بابك للفقراء والمساكين وتشبعهم وتلبى له حوائجهم وتعطيهم من مال الله الذى أعطاك إياه وترفق بهم وترحمهم، وتصلح لهم كافة أمور حياتهم: إن الإسلام الغائب اليوم بسبب ظلم الكثير من حكام المسلمين وكذلك حكم من يقولون أن حكمهم هو لله، وشتان بين القول والعمل وديننا دين العمل! ألم يسمعوا مقولة سيدنا عمر رضي الله عنه: "لقد اتعبت كل الخلفاء من بعدك يا ابا بكر) مقولة قالها سيدنا عمر فهل تعلم متى قالها ولماذا، في أحد الأيام كان عمر بن الخطاب يراقب خليفة المومنيين أبو بكر الصديق في وقت الفجر وشد انتباهه أن أبا بكر يخرج الى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويمر بكوخ صغير ويدخل به لساعات ثم ينصرف لبيته ... وهو لا يعلم ما بداخل البيت ولا يدري ما يفعل أبو بكر الصديق داخل هذا البيت لأن عمر يعرف كل ما يفعله أبو بكر الصديق رضي الله عنهما من خير إلا ما كان من أمر هذا البيت الذى لا يعلم عمر سره !! مرت الايام ومازال خليفة المؤمنين أبا بكر الصديق يزور هذا البيت ومازال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصديق داخله إلى أن قرر عمر بن الخطاب دخول البيت بعد خروج أبو بكر منه ليشاهد بعينه ما بداخله وليعرف ماذا يفعل فيه الصديق رضي الله عنه بعد صلاة الفجر !! حينما دخل عمر في هذا الكوخ الصغير وجد سيدة عجوز لا تقوى على الحراك كما أنها عمياء العينين ولم يجد شيئاً آخر في هذا البيت فاستغرب ابن الخطاب مما شاهد؟؟!! وأراد أن يعرف ما سر علاقة الصديق بهذه العجوز العمياء ؟!؟ سأل عمر العجوز : ماذا يفعل هذا الرجل عندكم ؟ (يقصد أبو بكر الصديق) فأجابت العجوز وقالت : والله لا أعلم يا بنى فهذا الرجل يأتي كل صباح وينظف لي البيت ويكنسه ومن ثم يعد لي الطعام!!ويقضى حاجتي ثم يذهب!! جثم عمر ابن الخطاب على ركبتيه واجهشت عيناه بالدموع وقال عبارته المشهورة : (لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر) هؤلاء هم اولياء الله الصالحيين، ولقد كان الفاروق عمر رضي الله عنه يجوع ويقرقر بطنه فيقول لبطنه قرقر أو لا تقرقر فبطون المسلمين أولي منك. ولا ننسي مقولته المشهورة لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها يوم القيامة لما لم تصلح لها الطريق يا عمر.
لقد غاب العدل بين المسلمين، ولو خرج النبي ورأى حالنا وأحوالنا لأنكر علينا إسلامنا، وقد أصبح هناك سكان القصور العالية والسيارات الفارهة لبعض زعماء المسلمين، وهناك من أبناء المسلمين من يموت جوعًا.
إن فرنسا بلد الدعارة الأول بالعالم تقول الاحصائيات أنها ستصبح أكبر دولة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية وتقرن القول بالعمل عام 2050م. وهكذا سيعود الإسلام غريبًا كما بدأ غريباً،،،،.
يجب أن نصلح حالنا مع الله وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب وأن نعلم أن من ولى أمرنا ورفق بنا نسأل الله أن يرفق به ومن ولى أمرنا وشقق علينا اللهم أشقق عليه، ولا ننسى أن الدنيا ظلٌ زائل وعارية مسترجعة وأننا إلى الموت سائرون وعن الدنيا لمنقلبون وإلى الأخرة لسائرون وأننا موقفون ومسؤولون عن الكثير والقليل والكبير والصغير والفتيل والنقير والقطمير؛ نسأل الله عز وجل أن يردنا إلى الإسلام الغائب رداً جميلاً ليصبح الإسلام حاضراً من خلال إقران القول بالعمل وتطبيق ما نقول" يا أيها الذين آمنوا كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" "والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر" فهل حققنا تلك المتطلبات الأربع في السورة الكريمة.
حينما كنا خير أمر أخرجت للناس وذلك بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله وعمل الصالحات فهل حققنا ذلك أم مازال الإسلام بحقيقته العملية التطبيقية غائبًا عنا.
من أجل ذلك علينا أن تكون حياتنا كلها لله، وان نتراحم فيما بيننا والراحمون يرحمهم الرحمان؛ يا حكام ودعاة الإسلام: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
12-29-2013, 10:46 PM
الاسلام الغائب
العرض العادي
